السؤال: فضيلة الشيخ! كأنكم تشيرون الى أن قضية الأمة ليست في اختلافها أو في اجتهاداتها استنباطاً من الكتاب والسنة أو غير ذلك؛ ولكن أكثر ما يحصل فيه الخلاف هو قضية التطبيق أو قضية افتعال الخلاف بين طلبة العلم, وما يمكن أن يعبر عنه بعدم فهم فقه الخلاف, وليست القضية في الاختلاف؛ فالاختلاف موجود في الأمة عامة, ولكن التعامل مع هذا الخلاف وفقهه هو الذي أوجد ثغرات وتطاحن بين شباب الأمة, وعدم وعي لهذه الأولويات التي يمكن الحديث عنها .
الجواب: الحقيقة أن ما تفضلت به متضمن لأسئلة كثيرة جداً؛ لكن أنا لا أقف عند هذا الحد فقط؛ بل أقول: الأشياء المجمع عليها التي لا تحتاج إلى أن تبحث ولا أن تناقش كثيرة جداً, ولو عملنا بها وأقامها كل منا في نفسه وفي بلده وفي حدوده؛ لوجدنا خيراً عظيماً جداً, ولتضاعفت أوقاتنا وجهودنا, ولاجتمعت الأمة عليها اجتماعاً عظيماً.
هناك قطعيات وثوابت وأصول وكليات لا مجال فيها للنقاش, ولا يحتاج أن تعرض حتى ليقال: هل نحن متفقون فيها أو نحن مختلفون, هذه يجب أن نعمل بها, مثل: الأصول الكلية وقطعيات هذا الدين الضرورية؛ كأركان الإيمان, وأركان الإسلام, والحقوق التي جعلها الله تبارك وتعالى بين المسلمين وهي كثيرة، ومثل: ترك الفواحش الظاهرة المحرمة وغير ذلك.
الآن المجتمعات الإسلامية في حاجة شديدة إلى هذا الكليات, وإلى هذه القطعيات, وإلى هذه الثوابت التي لا يناقشك فيها، حتى ممن يخالفونها أو يرتكبونها في كثير من الأحيان، فهذه نحتاج أن نبعثها ونحييها.
وفي الجانب الآخر نحيي أيضاً فقه الخلاف, وذلك من سنة الله تبارك وتعالى, وأنه فعلاً نحن نحتاج إلى أن نعرف كيف نختلف أكثر مما ندعي ألا نختلف، لو عرفنا كيف نختلف ومنهجنا في ذلك وقدوتنا هو ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم, وأصحابه الكرام, والأئمة الأربعة وغيرهم من الأئمة الكرام المجتهدين الذين رسموا معالم واضحة في هذا الشأن -ولله الحمد- وليس الموضوع يعتبر مشكلة, وأن الأمة تعيشه, وأن الأمة إن لم يوجد لها مرجعية محددة تضع لها كل شيء، فهي تظل أمة ضائعة, وتظل بلا هدف, كما لاحظنا ذلك في كثرة الحديث عنه, وأيضاً فيما تضمنته الأسئلة الكثيرة، فنرجو أن يكون هذا كافياً، والموضوع فيما أظن سيأتي له تكملة.